كان قاسم حطابا طيب القلب ، يعيش من كد يده ، ونقر فأسه ، ولم يكن ما يحصل عليه من جمع الحطب وبيعه يكفيه قوت يوم له ولزوجته وولده ريان البالغ من العمر خمس عشرة سنة .
وبينما هو عائد مطرقا يفكر في همومه وتدبير معيشته ، راى حجلة غريبة الشكل ، كبيرة الحجم فقبض عليها ، فوجد تحتها بيضتين كبيرتين ، فعجب من كبر حجمهما وغرابة لونهما ومتانة قشرتهما وتمنى ان يبيعهما بـــرب ثــوانى وجــــاىع دينار يشتري به شيئا يفرح زوجته وولده .
حمل قاسم الحجلة وبيضتيها ، وعرج على بيته فوضع الحجلة في قفص كبير ، وجعل لها ما يشبه الأدحية ، واخد البيضتين لبيعهما ، فلقيه يهودي ، فلما راهما دهش ، وتلهفت نفسه على شرائهما ، ودفع له دينارين ثمنا لهما ، فظن قاسم ان اليهودي يهزا به ، فقال : يفتح الله ، فقال اليهودي بلهفة : خمسة دنانير . فهم قاسم أن اليهودي جاد ، ويعني ما يقول ، وفطن ان البيضتين غربيتان ولهما شأن ، وبعد مساومة طويلة سمح لليهودي بالبيضتين مقابل عشرين دينارا قبضها قاسم فورا .
وعرج على السوق فاشترى لأسرته أطايب المأكولات ، وأصناف الفواكه والحلويات .
وفي الأيام التالية كانت الحجلة تبيض كل يوم بيضة حتى أتمت ثلاثين ، باعها جميعها لليهودي ، وقبض ثمنها منه ثلاثمائة دينار . وتوقف بيض الحجلة ، فأراد اليهودي استغلال الموقف واستغفال قاسم ليشتري منه الحجلة ، وغالي له في ثمنها فرفض ان يبيعها .
وبعد مضي شهرين عزم قاسم على السفر الى الحجاز ليؤدي فريضة الحج ، واوصى زوجته بالحجلة ، أن تحافظ عليها ، وان لا تفرط فيها ، وان لا تبيعها مهما كان الثمن ، وسافر وهو يكرر وصيته هذه .
ولما مضى على سفر قاسم أسبوع حضر اليهودي ، وساوم المرأة على بيع الحجلة .
قالت :- لا .. لا ابيعها ابدا...
ولكن اليهودي قال :
ادفع ثمنها ألف دينار ، وأدفع لك خاصة ألفين . ولم تصدق سمعها وظنته يمزح ، فقال : - سأجعل لك ثلاثة الاف دينار .قالت : أحضر النقود . فأحضرها ودفع لها ، فسلمته الحجلة فذبحها ، ثم قال : - خدي نظفيها ، وان سقط منها شيْ او فقد ، شققت بطن من يأكله حتى أخرجه منه . فهمت ؟! نعم لا يأكل منها أحد شيئا... والا اخرجت ما أكله من بطنه !!
دهشت المرأة واخدت تنظف الحجلة ، وبينما هي كذلك دخل ابنها ريان ، فسألها أن تعطيه منها شيئا ، فرفضت ، فخطف القانصة ، واكلها ، فلما لم يحسن مضغها ابتلعها صحيحة . فقامت صارخة في وجهه وقالت : أهرب من هذا البلد ، أهرب ، فقد توعد اليهودي الذي اشتراها كل من يأكل منها شيئا بشق بطنه لاخراجها .... وما أظنه الا جادا في قوله وانا أخاف عليك منه فاترك البلد حالا قبل ان يحضر !... فقام الولد وركب فرسا لأبيه وهرب !
حضر اليهودي ليأخد الحجلة فلم يجد القانصة ، فسأل عنها فقالت : خطفها ابني من خلفي قال اليهودي : هاتيه لأشق بطنه ، وأخد منه القانصة . انا دفعت هده الالاف من الدنانير لأجلها ، فهل تظنينني مازحا أم تاركا حقي ؟! . قالت الام : انه ركب فرس أبيه وهرب .
ركب اليهودي فرسه حالا وتبعه . وكان كلما نزل في حي او بلد يسأل عنه ويذكر اوصافه فيقال له : كان هنا وسافر ، حتى أدركه بعد شهر في البرية. فقال له : تعال هنا لأفتح بطنك واخد القانصة ، أنا دفعت فيها الالف الدنانير . قال ريان : أتريد ان تقتلني من أجل قانصة حجلة ؟ أدهب لا أم لك ! ولكن اليهودي اخرج سكينا حادة وهجم على ريان يريد شق بطنه . فتناوله ريان بيده ، ورفعه كما يرفع تفاحة ، وضرب به الارض فلم يتحرك .....
عجب ريان من قوته ، ولاحظ لاول مرة ان جسمه قد نما وان قوته أصبحت خارقة ففرح بذلك جدا وعجب له.
واصل ريان سفره حتى وصل مدينة الموصل بعد ثلاثة اشهر . فرأى جماجم كثيرة معلقة على بوابة قصر الوالي فدهش لذلك وسأل عن السبب ، فأخبره بعض الناس أن للوالي ابنة عليمة بالصراع ، ولها قوة جسدية هائلة ، وأنها لن تتزوج الا من يغلبها في الصراع ، فإذا لم يغلبها يقتل ، ويعلق رأسه على بوابة القصر . وقد تقدم لها أربعون شخصا من أقوى الناس في العالم غلبتهم جميعا ، وهذه جماجمهم تشهد بذلك
سر ريان بقوته الجديدة وذهب الى الوالي ، وطلب منه أن يصارع ابنته على شرطها . فنظر إليه الوالي فرأى فتى دون السادسة عشرة لم يخط شاربه ، ولكنه طويل عريض الألواح ، متينها ، بعيد ما بين المنكبين ، فكره له ان يقتل ،ونصحه بأن لا يفعل ، فهو يعرف بأس ابنته وخبرتها في الصراع . ولكن ريان ألح وأصر فقال الوالي : اذن وقع الاتفاق الخاص بهذا الشأن فوقعه ريان ووقعه الوالي .
وخرجت البنت بملابس المصارعة امام والدها وكبار اهل المدينة ، فجالا في الصراع جولة دامت ساعة ، طرحها ريان بعدها على الارض ، لكنها كانت تنهض في كل مرة بخفة ولباقة ورشاقة ولم تستطع ان تلقيه مرة واحدة على الارض ، ودام الصراع ساعتين وظهر الاعياء على الفتاة . فأمر الوالي بإيقاف الصراع واستئنافه في اليوم الثاني .
أنزل الوالي ريان في ضيافته . ولكنه كان يشك في قوته الغريبة على صغر سنه ... ولذلك جمع الحكماء والاطباء وقال لهم : - ان في هذا الولد سرا ، وهو السبب في عجز ابنتي عن قهره ، وقد أبقيته الليلة في ضيافتي لتخدروه وتفتشوه ، وتكشفوا لي هذا السر .
ففعلوا ، وعروه فلم يجدوا شيئا . في تلك الاثناء كان اليهودي وبعد أن استفاق من اغماءته قد وصل الى الموصل ، وسمع ان شابا صغيرا لم بخط شاربه بعد قد صارع الاميرة وانتصر عليها ، تلك الاميرة التي عجز عن مصارعتها أقوى الرجال .....
وأيقن اليهودي أن هذا الشاب هو ضالته المنشودة وهو من يبحث عنه . فانطلق الى قصر الوالي حالا وقابله قائلا : سيدي الوالي ... هذا الفتى الذي يصارع ابنتك ، هل أدلك على مصدر قوته ؟! إنها قانصة ابتلعها وهي موجودة في أعلى بطنه وان شئت شققت لك بطنه بسكيني هده واخرجتها منه .
فرح الوالي وطلب الاطباء فأعادوا تخدير ريان وعروه ليفتشوه ، وهنا صرخ اليهودي مشيرا الى نتوء غريب عند رأس معدته قائلا : هذا هو مصدر قوته يا مولاي .. هذا .... فقال الوالي : أخرجوه .
فأجرى الاطباء له عملية خفيفة استخرجوا بها القانصة ، وعجب الوالي اشد العجب ، وأخد القانصة واحتفظ بها عنده ، رغم توسلات اليهودي ان يأخذها هو...وعند الفجر نهض ريان فشعر بثقل واعياء . ولم يجد في نفسه القوة التي كان يشعر بها من قبل ، وتحسس موضع القانصة فلم يجدها فخشي على نفسه وهرب من القصر لا يلوي على شيء .
وسار يومين ، فوجد ثلاثة من اللصوص قد قطعوا الطريق على ساحر فقتلوه ، واختلفوا على تقسيم ماغنموه منه. فلما رأوه ، قال بعضهم لبعض نحكم هذا الغلام بيننا ونرضى بحكمه ، وعرضوا عليه ذلك فقبل .
فقال لهم : - ما البضاعة التي أنتم عليها مختلفون ؟
قالوا : معنا بساط اذا قرع بمقرعة يطير في السماء ليبلغ الانسان ما يريد في مثل لمح البصر ، ولو كان في اطراف المعمورة . وسفرة تطوي : اذا نشرت وطلبت اصنافا من الطعام امتلات بها . ودف اذا هززته ساقط ذهبا .
قال ريان : هاتوا البساط فافرشــوه لأرى مساحته ، ففعلوا ثم قال : ضعوا عليه المقرعة والسفرة والدف ففعلوا .قال ريان : سأقدف الان بحجر بأقصى قوتي فمن وصل الحجر اولا فله ان يختار من هذه الثلاثة الشيء الذي يريد فرضوا بذلك .
فأخذ حجرا وقذف به بعيدا ، فتسابق اللصوص الى غايته . وأغمض عينيه فطار البساط بالمقرعة ، وقال : - إحملني إلى جبل قاف . وأغمض عينيه فطار البساط به فإذا هو في وقت قصير في جبل قاف . وهناك نشر السفرة وطلب طعاما وفاكهة فامتلأت بذلك ، فأكل وشبع وحمد الله . ثم هز الدف فإذا هو يساقط ذهبا .
فطوى ذلك ، وجلس على البساط ، وقال : احملني بقرب قصر الوالي وهناك دخل على الوالي، وقال له : لقد عدت لمصارعة الفتاة إن أذنت ، فنزلت الفتاة لمصارعته وهي واثقة من أنها ستغلبه في هذه المرة... ففرش البساط وقال : - سنتصارع على هذا البساط ، فرضي الوالي ورضيت . فلما استقرت عليه ضرب البساط بالمقرعة وقال : احملنا إلى جبل قاف ، فطار بهما البساط والوالي واهل البلد في دهشة وخوف ...!
ولما استقر بهما البساط ، قال : ماذا اعمل بك الان ؟ قالت : انا مستجيرة بمروءتك ان تردني الى ابي فأرد لك القانصة واتزوجك لئلا نهلك هنا جوعا في هذا المكان الأجرد . قال : أطلبي ما تشتهين وانا اتي لك به ، ونشر السفرة فطلبت فامتلات السفرة بالاطعمة الشهية التي طلبتها ، وهز لها الدف فساقط ذهبا . فقالت له : قم بنا نتمشى قليلا لعلنا نجد مكانا نأوى اليه في الليل .
فسر بتسليمها واستكانتها ، ونزل امامها عن البساط . فلما استقر على الارض ضربت البساط بالمقرعة وقالت : اوصلني الى قصر ابي فاستقرت به !!
وكاد قلب ريان ينخلع وهو يرى البساط يطير بالاميرة ... وأحسن بالألم الشديد يعتصر قلبه لأن ألاميرة ضحكت عليه واستولت على كنوزه .. وندم لأنه سلم لها بهذه السرعة ولم يأخذ الحيطة لدهائها ومكرها .. وبدأ الياس يدخل الى قلبه وقد أحسن أنه لن يرى أهله بعد اليوم وسيموت هنا وحيدا جائعا عريانا ... وبقي ريان وحده في جبل قاف . فقام يمشي ثلاثة أيام ، فوجد نخلتين احداهما تحمل بلحا أصفر واخرى تحمل بلحا أحمر . فتناول حبة بلحة صفراء فنبت له في اقل من ساعة قرن اصطدم بأعلى الشجرة . فتناول حبة تمر حمراء من الشجرة الثانية فذاب القرن وعاد ريان كما كان .
فســر ريان لما رأى و اقسم لينتقمن من الاميرة بهذا البلح ، فأخد قسما من البلح الاصفر وقسما من البلح الاحمر و اتجه نحو قصر الوالي فوصله بعد سنه كاملة لقي فيها الاهوال و المشقات و تعرضت نفسه للتلف عدة مرات لولا ان نجاه الله فسار تحت القصر ينادي : بلح في غير اوانه ، يا من يشتري بلحا في غير اوانه ...
فاشترت منه بنت الوالي ثماني بلحات و اكلتها فنبت لها ثمانية قرون و استقرت في سقف البيت ، و صرخت الاميرة واستنجدت بوالدها واهل القصر جميعا ولم يستطع احد ان يخلصها مما هي فيه وأعيا امرها الحكماء والأطباء ، واغتم الوالي لما أصاب ابنته فكتب على نفسه عهدا ان من خلص ابنته مما هي فيه زوجها له وجعله وريثه على العرش ، وأشهد على نفسه أن يبر بوعده ، ويفي بعهده .
فلما علم ريان بذلك حضر في ثياب حسنة ، وقد بدا ناضر الشباب مكتمل الرجولة ، وقد احكمته التجارب ، وصقلته الحوادث التي مرت به ، واخلصته الصعاب التي عاناها ، وتقدم ثابت الخطو ، ماضي العزم ودخل القصر .ثم هو قدم للاميرة ثمرة حمراء كان قد سحقها ووضعها في برشامة ، فابتلعتها فذاب احد القرون .
سر ابوها غاية السرور وزغردت النساء فرحا واستبشارا .وفي اليوم الثاني قدم لها برشامة ثانية فذاب قرن اخر وفي اليوم الثالث ، أخرج برشامة وأسقطها على الارض وسحقها بقدمه ، فصاحت الاميرة وصاح ابوها ولكن ريان قال : ليس في الدنيا احد يقدر على خلاصها غيري ، وقد اسأتم الي حتى الان ثلاث مرات .
في المرة الاولى كنت قادرا على قهرها لولا لم تؤجل المصارعة ، ثم اعتديتم علي فنزعتم قانصتي بمساعدة هذا اليهودي اللئيم .. وفي المرة الثالثة اخذتم بساطي وسفرتي ودفي . فصاحت البنت وابوها معا :- أهو انت ؟ قال : نعم ولن أفكها حتى تردوا علي جميع ما أخدتم مني . فقالت البنت : لقد قهرتني وقيدتني في السقف من راسي . وقد والله أحببتك ، وسأتزوجك ولن اتزوج رجلا غيرك ، رد له يا ابي ما اخذناه منه ... أرجوك رد له كل ما اراد حالا ...
رد الاب لريان جميع ما اخذوه منه فقال ريان : لي شرط اخر ان أقتل هذا اليهودي الذي جعلته وزيرا لك وتذهب معي الاميرة الى بلدي لأطمئن على اهلي ، قالت الاميرة وابوها .. نعم كما تريد وسأرحل معك الى أقاضي المعمورة ان شئت . فأعطاها ست برشامات في يوم واحد فذابت القرون جميعها . وكتبوا كتابها عليه ، وعملوا لها زفة عظيمة لمدة اسبوع . ثم ركبا بساط الريح فطار بهما في ثوان الى بلده ، ففرح به ابوه وأمه واهل بلده بعد ان يئسوا منه ، وجددوا الافراح والليالي الملاح ، ثم انتقل بهم الى مملكته الجديدة وعاش الجميع في ثبات ونبات وخلف ريان والأميرة الأولآد والبنات .
النهاية